إياك أعني واسمعي يا جارة
قائله سهل بن مالك الفزاري
خرج يوما قاصدا النعمان بن المنذر ملك الحيرة – عاصمة دولة المناذرة تحت نفوذ الأكاسرة – فمر بأحد أحياء طيء وسأل عن رأس القوم، فأُخبر بأنه حارثة بن لأم. فلما توجه إلى بيته لم يجده، ولكن أخته التي كانت موجودة رحبت به قائلة: "انزل في الرحب والسعة". فنزل حيث أكرمته ولاطفته، ثم خرجت من خبائها فرأى جمالا فتن أهل الدهر، وأصابت سهامها قلبه.
فجلس يفكر كيف يعبر، وكيف يخبرها بما أحس أو يحدثها عما لمس. فجلس في الفناء الذي به الخباء، ثم صب في أذنيها هذه الأبيات:
يا أخت أهل البدو والحضارة ماذا ترين في فتى فزارة
أصبح يهوى حرة معطارة إياك أعني واسمعي يا جارة
فلما استقرت كلماته في ذهنها، عرفت أنه عناها. فقالت بصوت مسموع : "ما هذا بقول ذي عقل أريب، ولا رأي مصيب، ولا أنف نجيب، فأقم ما أقمت مكرما، ثم ارتحل متى شئت مُسلّما". فاستحيا الفتى وقال: "ما أردت مُنكرا. واسوأتاه!" قالت: "صدقت". وقد ظهر الحياء من تسرعها.
ثم ارتحل سهل إلى النعمان فأكرمه، فلما رجع نزل على أخيها يطلب يدها. فتم ما أرادا، ثم تزوجا و عاد إلى قومه.
ويقال المثل لمن يتكلم بكلام ويريد به شيئا غير مدلوله ومعناه.